قديسة من كندا

كاتيري تيكاكفيتا

1656   - 1680

عام 1656، في هذا العام، ولدت كاتيري" من أب وأم هنديين، من سكان البلاد الأصليين، من قبيلة "الموهاوك" (Mohawk) الشهيرة، في منطقة تقع اليوم في أحد أحياء مدينة نيويورك، في الولايات المتحدة الأميركية.

عام 1660، كان لها أربع سنوات، عندما اجتاح قريتها، وباء الجدري، فقضى على الكثيرين، ومنهم والدا "كاتيري" وأخوها الأصغر. أما هي فقد نجت، ولكنها أصيبت بضعف شديد في بصرها، كما أن ندبات الجدري غطّت وجهها الجميل والغضّ. فباتت تسير، باسطة يديها أمامها، لتتلمّس طريقها، مخافة التعرض لأذى. من هنا كان اللقب الذي لازم اسمها، فباتت تُعرف به، وهو، بلغة الهنود الحمر، "تيكاكفيتا"، يعني: "تلك التي ترتّب أمورها".

عام 1667، عندما بلغت الحادية عشرة من عمرها، التحقت بخدمة المرسلين اليسوعيين، الذين كانوا قد اتخذوا من بيت عمّها الفسيح، مركزاً لهم. وفي هذه الأثناء، كان سكان قريتها جميعاً، قد انتقلوا إلى الضفة الشمالية من نهر "الموهاوك" الضخم، التي باتت تعرف اليوم باسم "فوندا" (FONDA)، وهي حي من أحياء نيويورك الحالية. فكانت خدمتها في الإرسالية، تقوم على شؤون الطبخ، وقطف الزهور، وجمع الحطب، وصناعة القفف، وتطريز الأقمشة المرصّعة بلؤلؤ مستعار. وقد ثبّت وجود المرسلين إيمان "كاتيري"، إذ تكفّل أحدهم، وهو الأب "جاك دو لامبرفيل" (Jacques de LAMBERVILLE)، بتلقينها أصول المسيحية، بصورة منتظمة، فباتت تحيا بأمانة مدهشة، المسيحية بأخلاقيتها الراقية والمحبة، ولمّا تكن قد نالت العماد بعد… ولكنها لم تُعمّد إلا عام 1676، وكانت يومها في العشرين من عمرها.

عام 1680، كانت "كاتيري"، أبداً، تشكو من ضعف في صحتها، حتى أنها أصيبت بمرض خطير أودى بحياتها، في 17/4/1680. يومها كانت في الرابعة والعشرين من عمرها. وكانت المفاجأة، أن بعد موتها بساعات، استعاد وجهها المشوّه بندبات الجدري، جماله السابق ورقته. وقد وُضع جثمانها في تابوت خشبي، ووري الثرى، بجوار صليب خشبي كبير، كانت تهوى الصلاة ركوعاً أمامه، وكان قد غُرس على ضفاف نهر "السان لوران" الواسع. وكان أن أخذ الكثيرون يأتون للصلاة أمام قبرها، وطلب شفاعتها. وثبت أن أشفية كثيرة قد حصلت، وتثبّتت منها السلطات الكنسية، مثلما أن أموراً مستعصية قد وجدت حلاًّ لها، بشفاعتها. وشيئاً فشيئاً، تحوّل قبرها المتواضع إلى مزار يقصده الناس من قريب وبعيد.

عام 1717، في هذا العام، انتقلت قبائل "الموهاوك"، التي كانت تنتمي إليها "كاتيري تيكاكفيتا"، إلى المنطقة التي اتخذتها حتى اليوم من عام 2018، مقراً لها، على مبعدة خمسين كيلومتراً من مدينة "مونتـريـال" بكندا. وكان أن حمل المرسلون اليسوعيّون معهم، وهم القائمون على الخدمة الروحية لهذه القبائل، ذخائر "كاتيري"، وقد وُضعت في صندوق خشبي، لا يزال قائماً في هذه الكنيسة حتى اليوم، حيث يأتي الزوار الكثيرون للتبرّك به، وطلب شفاعة صاحبته.

عام 1884، يوم السبت 6/12/1884، عقد أساقفة الولايات المتحدة الأميركية، مؤتمراً عاماً لهم، للتباحث في الشأن الكنسي. وقد ارتأوال أن يوجّهوا، خلال هذا المؤتمر، نداءً مُلحّاً إلى قداسة البابا لاون الثالث عشر، يرجونه فيه دراسة ملف "كاتيري تيكاكفيتا"، راجين منه العمل على تطويبها.

عام 1885، وفي هذا العام، وجّه أيضاً زعماء القبائل الهندية في كندا، رسائل إلى البابا لاون الثالث عشر، يدعمون فيها مطلب الأساقفة الأميركيين.

عام 1931، في 22 من شهر أيار من هذا العام، قدّم مطران "ألباني" (ALBANY)، المدعو "إدموند فرنسيس جيبونس" (Edmond Francis GIBBONS)، ملف قضية "كاتيري"، على نحو رسمي، إلى المراجع المختصة في روما. وكان أن تسارعت الخطوات بعد ذلك. فافتتحت جلسات الدراسات القانونية في 2/6 من العام نفسه. وفي يوم 23/2/1932، اختتمت جلسات استنطاق الشهود. وفي يوم 1/5/1932، انتهت أعمال التحقيق، ثم أقرت الملفات كلها في 4/6/1932. وفي 29/6/1932، أعلنت السلطات المختصة في روما، حق المؤمنين في تكريم "كاتيري تيكاكفيتا". وبعد أقل من شهر، أي في 21/7/1932، أقيم احتفال كنسي رسمي، لأول مرة، من أجل تكريم قبر "كاتيري" في كندا.

عام 1938، خلال شهر حزيران من هذا العام، أعلنت المراجع المختصة في روما، والمسؤولة عن الشؤون التاريخية المتعلقة بالطقوس الكنسية، أن الوثائق التي تخص قضية "كاتيري"، قد اكتملت، وأنها صحيحة بالكلية، وجديرة بكل ثقة. كما أعلنت في الوقت نفسه، عن قداسة سيرة "كاتيري". وقد أكدت أن ما كانت تتمتع به من فضائل بطولية، تشكل أساساً متيناً من أجل صدور القرار النهائي بشأنها. وكان أن عُقدت بتاريخ 26/11/1940، أولى الجلسات المخصّصة لمناقشة فضائل "كاتيري"، وتواصلت بعد ذلك، حتى أعلنت الهيئة الرسمية في الفاتيكان، خلال عام 1942، أن سيرة "كاتيري"، بمجملها وتفاصيلها، كانت حقاً تتّسم ببطولة، كان أجمل ما فيها، بساطتها وتواضعها. وقد دعم البابا بيوس الثاني عشر، هذا الإعلان، بتأييده الرسمي.

عام 1943، في مطلع هذا العام، أي في 3/1/1943، أقام البابا بيوس الثاني عشر، قداساً احتفالياً، أعلن خلاله أن جميع الأبحاث، والدراسات والتحقيقات، التي أجريت على سيرة "كاتيري"، أنبتت بصورة قاطعة، أنها مارست على نحو بطولي، فضائل الإيمان والرجاء والمحبة، ومثلها، فضائل الفطنة والصبر والتجرد. ثم وقّع البابا رسمياً، على وثيقة تعلن أهلية أمة الله "كاتيري" للتكريم. وقد سبق ورافق كل هذه الإجراءات الرسمية والدقيقة، الاعتراف العلني بصة معجزتين حدثتا بشفاعة "كاتيري": أولاهما كانت شفاء طفلة في الحادية عشرة من عمرها، كانت تعاني منذ ولادتها، من عجز تام عن السير… والثانية كانت شفاء طفل من شلل في قدميه. يعود إلى إصابته بتهتّك مرضي عنيد في المفاصل…

عام 1972، في يوم 17/12/1972، أقام المطران "ج. م. كودير" (Gérard-Marie CODERRE)، قداساً احتفالياً، بارك خلاله القبر الرخامي الذي يحوي الصندوق الخشبي الذي يضم ذخائر "الطوباوية كاتيري". وهذا القبر يقوم في الممر الأيمن من كنيسة "إرسالية القديس فرنسوا كسافييه". وقد نُقشت عليه هذه الكلمات، بلغة قبيلتها الأصلية:

"كاتيري تيكاكفيتا الغالية"

عام 2012، في 21/10/2012، ترأس البابا "بيندكتوس" السادس عشر، قداساً احتفالياً أعلن خلاله قداسة أمة الله "كاتيري تيكاكفيتا". وكان قبل ذلك، قد مهر بتوقيعه ملف الشفاء المعجز، بشفاعة أمة الله القديسة "كاتيري"، لصبي يدعى "جاك فينكبونر" (Jake Finkbonner)، من مرض فتّاك يدعى "مرض أكل لحم البشر".

والثابت حتى اليوم من عام 2018، حدوث أشفية خارقة، تنسب إلى شفاعة القديسة "كاتيري"، حتى أنه أنشئ ضمن المتحف الخاص بهذه القديسة، مركز يضم جميع ملفات هذه الأشفية.

يجدر بنا أن نختتم هذه اللمحة السريعة عن حياة القديسة "كاتيري تيكاكفيتا"، ببضع كلمات قيلت عنها أو قالتها.

1- يوم انتقلت مع قبيلتها من منطقة "نيويورك"، إلى جوار مدينة "مونتـريـال"، كتب الأب "دو لامبرفيل" إلى رئيس إرسالية اليسوعيين، القائمة بالقرب من هذه المدينة، يقول له:

"أرجوك وأسألك أن تتولّى رعاية وتوجيه الكنز الذي نأتمنك عليه. احفظه جيداً واجعله يثمر، تمجيداً لله وخلاصاً لروح يخصّها دون شك بحبه".

2- قالت:

·        "من يعلمني ما هو أحب الأمور إلى الله، كي أفعله!"

·        "هذه الكنيسة الخشبية ليست أقصى ما يطلبه الله منا، إنما هو يريد أن يكون فينا".

·        "الفقر الذي يهدّدني به بعض الناس، لا يخيفني. فحياتنا البائسة تحتاج إلى ما هو أقل من القليل… أما جسمي، فسأجد دائماً خرقة رثة، أغطّيه بها."

 

 

P. ELIAS ZAHLAOUI - DAMASCUS, SYRIA